هل صلب المسيح حقا ؟
تعد هذه من اهم النقاط التي تشكل خلاف عقائدي مابين الاخوة المسلمين و الايمان المسيحي، فإن الأساس الذي يرتكز عليه المسيحي في ايمانه هو الفداء الذي قام به المسيح على الصليب، ولكن في الوقت ذاته يرفض المسلم هذا رفضاً قاطعاً ويقول: “لا! بل شبه لهم”، تاركا خلف هذه العبارة الكثير من التساؤلات بلا إجابة مقنعة، او بلا إجابة مطلقاً، و متجاهلاً كلام المسيح نفسه الذي قال علانية للتلاميذ انه لابد ان يتم ما قاله الكتاب وهذا يعني ما كان مكتوباً في التوراة و اسفار الأنبياء حيث ذكرت الكتب القديمة ان المسيح آتي لهذا السبب تحديداً و المسيح أيضاً ذكر ذلك للتلاميذ و قد اعلم اخي الكريم انه قد يدور في ذهنك ان هذا الكتاب محرف ولكن كنا قد تحدثنا عن استحالة تحريف الانجيل و التوراة و كتب الأنبياء في مقال سابق تستطيع تحميل مقال " هل الانجيل محرف؟" لتعرف أكثر عن مدى استحالة هذا التحريف.
إحدى اشهر و اهم هذه النبؤات هي في سفر أشعياء 53: 5-6 «مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا، كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. «يتحدث هنا الكتاب عن أن المسيح سيعاني على نفسه آثار معاصينا و هذا ما يسمى عملية "الفداء" على الصليب و إذا تأملنا معنى كلمة فداء فلا بد من وجود فادي و مفتدى. وهذا كان ما قاله المسيح نفسه للتلاميذ : «أنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ. « يوحنا 10: 11 مما سبق نستنتج بأن المسيح كان يعلم المعنى الحقيقي لعملية الفداء وبما أننا نتحدث عن النصوص دعني أخي القارئ أورد لك بعض من كلام المسيح نفسه للتلاميذ «هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَسَيَتِمُّ كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ بِالأَنْبِيَاءِ عَنِ ابْنِ الإِنْسَانِ، لأَنَّهُ يُسَلَّمُ إِلَى الأُمَمِ، وَيُسْتَهْزَأُ بِهِ، وَيُشْتَمُ وَيُتْفَلُ عَلَيْهِ، وَيَجْلِدُونَهُ، وَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ» لوقا 18: 31-33 من هنا نجد ان المسيح كان يعلم تفصيلاً ما كان ينتظره قبل الصعود الى القدس، و ربما يجول في خاطر البعض ان هذا لا يتوافق مع عدالة الله، فما هو ذنب المسيح لكي يعاني الآلآم عن البشر، و الإجابة على ذلك في نفس الاصحاح السابق من إنجيل يوحنا 10: 18 «أَضَعُ نَفْسِي لآخُذَهَا أَيْضًا. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا. هذِهِ الْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبِي» فهنا نرى جلياً وواضحاً ان المسيح قام بالفداء طوعاً وليس مجبراً ، أما الأمر الآخر هو أن المسيح لم يبق في الموت بل قام من بين الأموات بجسد ممجد لا يقوى عليه الموت و لعل هذا ايضاً يجيب على من يقول ان المسيح ضعيف لانه مات، فالحقيقة أن الموت لم يقوى عليه إذ غلب الموت بالقيامة منه.
أما فيما يتعلق بموضوع إلقاء شبه المسيح على آخر "ولكن شبه لهم" لو تأملنا اهي القارئ النص القرآني نجد العديد من الأمور منها أن بداية السياق كانت تتحدث عن أن اليهود هم المخاطب في هذا النص و بالرجوع الى قصة المسيح تاريخيا ومن خلال النصوص نرى أن هذا النفي يتوافق مع حقيقة أن اليهود هم الذين لم يقتلوا المسيح ولكن كانوا الرومان من فعلوا ذلك، وهذا عائد الى أن اليهود كانو في فترة عيد وبعقيدتهم انه لايستطيعوا سفك أي دم في العيد، ثانياً ان اليهود حتى وإن كانوا يريدون فعلاً قتل احد فهم لا يستطيعون بأنفسهم لان الرومان كانوا هم الحكام في تلك الفترة و أسئلة أخرى لابد من النظر فيها ومن هذه الأسئلة : من كان هذا الشخص الذي يشبه المسيح؟ ولماذا كان يريد اليهود أصلا قتل المسيح؟ وهل اعلن الله لأتباع المسيح و التلاميذ بأن الذي صلب كان يشبه المسيح وليس هو؟ و العديد من الأسئلة التي تتبادر الى ذهن القارئ كان لابد من إجابة صريحة و قطعية لها، فإننا إن تأملنا النص هنا في الاية 157 سورة النساء "وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ" فإذا كان اليهود معترفين بأفواههم بأن المسيح رسول الله لماذا كانوا يريدون قتله إذا؟ كل هذه الأسئلة وأكثر اخي القارئ لابد ان تكون لها إجابات.
انا أشجعك عزيزي القارئ ان ترجع لكي تقرأ اكثر عن هذه القصة لما هو مبني عليها من أساس إيمان الملايين على مر العصور و الأزمنة، وأشكر الله على وجودك و اشكرك على الوقت الذي أمضيته تقرأ هذه السطور، أتركك في عناية الله و مشيئته الصالحة ، و أصلي و أدعوا الله ان يفتح عينيك و قلبك لانه مكتوب: اللهِ، الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ.